إن حضارة الإسلام هى أعظم حضارة عرفها الإنسان وقد استمدت هذه الحضارة المعطاءة قواعدها وعوامل نموها ، من كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم التى هى الأصل الثانى للتشريع الإسلامى وهى موضحة ومفصلة لما جاء فى المصدر الأول وهو القرآن العظيم الذى نزل به الوحى من عند الله عز وجل باللفظ والمعنى لا تبديل لكلمات الله ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ولا تنقص عجائبه ولا يخلق على كثرة الرذ ولا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة وهو محفوظ بعناية الله عز وجل منذ نزل على قلب خاتم النبيين فى القلوب والصدور ويتلقاه الخلف عن السلف جيلا بعد جيل وكأنه بفضل الله نزل لتوه إلى أن يرث الله ومن عليها وقد عدل الذين حكموا به واهتدى إلى أحسن الأخلاق والأعمال والأقوال من جعله لنفسه دستورا وإماما وإن أفضل الأجيال خلقا وعلما وعملا هو الجيل الذى رباه رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرجوا مجاهدين فى سبيل الله لتبليغ الرسالة وتبصير الناس بعقيدة التوحيد والتنزيه التى هى الأساس المكين فى بناء الحضارة الإسلامية وبمقتضاه صخت العبادة واستقامت الأخلاق وتهذيب الضمائر وارتقى الإنسان فى مدارج الكمال الإنسانى بجانبيه الروحى والجسدى والعقلى والمادى وفى ظلال هذه الحضارة تأخى الناس وانقمعت عصبية الجاهلية والتأمت القبائل وتألفت لعشائر وتعارف الناس من كل لسان ولون والتقوا على طريق التراحم والتعاون والبناء والمساواة فى الحقوق والواجبات فقد خلق الله ـ عز وجل ـ الناس من ذكر وانثى كلهم لأدم وقد اقتضت حكمته أن يبت أبناء أدم فى وسط الأرض وجوانبها وأطرافها وأن تتكون منهم شعوب وقبائل ومن القبائل عشائر وفصائل ( أسر ) وبمقتضى هذه الحكمة العليا وصار لكل شعب خصائص من حيث اللون واللغة وأنماط الحياة التى تتلاقى حينا وتختلف أحيانا حسبما تمليه ظروف البيئة وطرق التفكير وقد أتت هذه الحكمة العليا أعظم الثمار لصالح الإنسان وتكامل ظروف حياته إذ تعددت مصادر الثروات وتنوعت المحاصيل والزروع وطرق المعالجة للحصول على مافى الأرض من الخيرات والبركات وفى سعيه الدائب لترقية حياته عرف الإنسان الصناعة التى تفى بمتطلبات البيئة وحاجة الناس وازدهرت الصناعة جيلا بعد جيل واختلفت من أمة إلى أمة من حيث الوسائل والمضمون فى كثير من أنواعها .وبهذا التعدد وبهذا التنوع والاختلاف صار لزاما أن تسعى الشعوب والقبائل إلى التعارف والتآلف وتبادل الخبرات والخيرات والتعاون المثمر لتحقيق مصالح الناس واستقرار حياتهم وهذا السعى الميمون يتأتى من نداء الفطرة ونجد تلك المعجزة الإلهية فى قوله تعالى : " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير " وهذا التعرف على الاخرين يتعلق بصفة خاصة بطريق الاخرين فى الفكر والاعتماد نظرا لان سلوكهم العملى ينبنى على ذلك والتعرف على الاخرين من مختلف الاجناس والحضارات والاديان يوسع من افق معارفنا ويصل بنا الى فهم سليم لوجودنا الانسانى وهذا يؤدى الى فهم متبادل واحترام متبادل وتعاون مشترك من اجل سلام هذا العالم وارادة السلام لاتعرف الحدود ولا القيود 000 وقد لفت نبى الاسلام محمد صلى الله عليه وسلم نظرنا الى ضرورة ان يقوم الناس بتطوير اسلوب للتضامن فيما بينهم اذا ارادوا الا يكونوا عرضة للهلاك وقد صور الانسانية كلها كانها تتجمع فى سفينة واحدة – فى زوق واحد – وقد استقر البعض فى اسفلها والبعض الاخر فى اعلاها وكان الذين فى اسفل السفينة اذا احتاجوا ماء صعدوا الى اعلى السفينة ومروا على من فوقهم وقد تعبوا من هذا الصعود والهبوط وازعاج الركاب فى اعلى السفينة وقرروا احداث خرق فى اسفل السفينة ياخذون منه حاجتهم من الماء ويقول النبى صلى الله عليه وسلم : انه اذا ترك الناس هؤلاء يفعلون ما ارادوا هلك الجميع وان منعوهم مما ارادوا نجا الجميع من غرق محقق 00 وعالمنا الذى نعيش فيه فى اشد الحاجة الى يقظة حقيقية بحضارة الاسلام ودعوته السمحة الحنيفية – لانقاذ البشرية من المحن التى تحيط بها من جانب وللاخذ بيد العالم الى شاطئ السلام على نحو – ما قدمنا من سابق احياء للنهضة الاوروبية التى يتيهون بها اليوم ولها وشغفا وكنا نحن واضعى اللبنات الاولية او ان شئت قلت القواعد