بقلم : علي الصراف
موقع النهى*
لم تتعرض الديانة الكاثوليكية للإهانة، في تاريخها كله، بمقدار ما تعرضت له عندما أعلن رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير عن اعتناقه لها في العام الماضي. ولكن أمّا وانه يحاول أن يكرس جهوده للحوار بين الأديان، فان النصيحة الوحيدة التي يمكن تقديمها لكل متديّن على كوكب الأرض هي: "ابتعد عن هذا المنافق قدر ما تستطيع. وإذا رأيته على ناصية شارع، فاعبر الى الناصية الأخرى، لأنه سيلوّث الرصيف كله".
ولا يُشرّف الديانة الكاثوليكية، ولا أي ديانة أخرى، أن يكون توني بلير واحدا من المؤمنين بها، ليس لأنه منافق ودجال وكذاب وانتهازي محترف فحسب، وليس لأنه مجرم حرب ما يزال ينتظر الملاحقة فحسب، بل لأنه يمارس الديانة كنوع من العلاقات العامة لتلميع صورته البشعة. وبالنظر إلى انه ليس سوى جرو أجرب، تم سحبه، في آخر لحظة من قمامة 10 دواننغ ستريت، فالحقيقة هي انه يستخدم الكاثوليكية كوسيلة، يظن انها رخيصة، لكي يمسح بها قاذوراته.
التوظيف الانتهازي للدين، من اجل تلميع الصورة، كان واضحا بجلاء في المقابلة التي نشرت له الثلاثاء الماضي مع صحيفة "ذي تايمز" الصادرة في لندن. فقد قال انه "سيركز على الدين لان مواضيع اهتمامه الأخرى الممثلة في مكافحة الاحتباس الحراري ومكافحة الفقر أمست مواضيع تلقى الكثير من الاهتمام".
وبهذا المعنى، فليست القضية هي قيمة الموضوع نفسه أو مدى حيويته، بل مدى الاهتمام به. فالرجل يريد موضوعا "ينفرد" هو بالاهتمام به. وحيث أن المجرم يحوم حول جريمته، فقد كان بلير (واضع أسس نظرية الـ spin doctorism والتي تعني قول الحقيقة بالمقلوب) قدم اعترافا مواربا بمقاصده عندما قال: "قد يظن الناس أن المسالة تقتصر على العلاقات العامة، لكنني لطالما اهتممت بالدين والسياسة". (wow).
والمعنى الحقيقي لهذا التصريح هو أن المسألة تقتصر بالفعل على العلاقات العامة، وانه لطالما اهتم بالدين كسياسة. وبالسياسة كأداة من أدوات تلميع الذات.
وقال بلير: "اعتقد أن المسائل المتعلقة بتغير المناخ ومكافحة الفقر تلقى الكثير من الاهتمام، وهذان الموضوعان يهمانني. أما الإيمان، فما زال الاهتمام به ناشئا حاليا".
وينظر بلير إلى "الإيمان" بالطريقة نفسها التي ينظر بها كل دجّال عرفه تاريخ الأديان. أي بوصفه غطاء للعار والرذيلة، باستثناء أن بلير يريد أن ينظر الى الإيمان كغطاء للجريمة، ويحاول أن يرتدي به مسوح القديسين، بينما الكل يعرف أنه قاتل أطفال من الطراز الأول.
وبطبيعة الحال، ما كان من المتوقع من "ذي تايمز" أن تسأل بلير: الإيمان بماذا؟
فالأجوبة الحقيقية هي:
- الإيمان بفوائد شن الحروب بناء على مبالغات وأكاذيب.
- الإيمان بحق رئيس الوزراء البريطاني في ممارسة كل أعمال الخداع والضغوط والدجل لاقناع "أم البرلمانات" (بكل ما فيه من نواب فاشيست) بان غزو العراق عمل شرعي ولا مفر منه.
- الإيمان بانه كلما افتضحت كذبة (أسلحة الدمار الشامل) فانه يمكن اختراع كذبة أخرى (إقامة ديمقراطية)، وأخرى (مواجهة الإرهاب الذي لم يكن موجودا من قبل)، وأخرى (إعادة بناء العراق)، وهكذا إلى أن "تتم المهمة" (تحويل العراق الى أرض يباب).
- الإيمان بالديمقراطية التي حولت العراق إلى مسلخ لكل أعمال العنف والقتل والتعذيب والإغتصاب.
- الإيمان بتحويل الأمم المتحدة الى مؤسسة دولية لأعمال النهب والنصب والهيمنة لصالح اللاعبين الكبار.
- الإيمان بحق إسرائيل في قصف الأبرياء وتدمير البنية التحتية في لبنان وتعطيل قدرة مجلس الأمن الدولي على وقف الجريمة الى أن تشبع إسرائيل تدميرا وقتلا.
هذا هو بعض ما يؤمن به بلير. وهو بعض ما يريد أن يمارس "الإيمان" به،.. عن طريق الكنيسة هذه المرة.
ونحسب انه ما من ديانة تحترم نفسها على وجه الأرض، تستطيع أن تقبل بهذا الدجّال كمؤمن بها، دع عنك أن تجيز له الحوار باسمها مع الديانات الأخرى.
الكاثوليكية أشرف، على أي حال، من أن تسمح لمجرم قذر كتوني بلير أن يدنس حرماتها. ولكن أتباع الكاثوليكية أنفسهم هم الذين يجب أن يتصدوا للدفاع عن ديانتهم من هذا الدَنَس.
ما نعرفه هو ان توني بلير لا يُشرّف أحداً، ليس لأن يديه ملطختان بدماء مئات الآلاف من الأبرياء فحسب، بل لأنه، فوق ذلك، يريد أن يستخدم الدين كممسحة لقاذوراته الخاصة. وهو من الانحطاط الأخلاقي والوضاعة القيمية الى درجة ان رفض قبوله في أي ديانة هو عمل من أفضل الأعمال لخدمة تلك الديانة.
وحتى وإن كان التسامح هو عنوانها الأول، فان الكاثوليكية يجب ان تشعر بالعار لوجود منافق كهذا بين صفوفها. لأن التسامح مع مجرم حرب، جريمة ضد الإنسانية وليس عبادة.
وهو من هذه الناحية مجرم حرب غير عادي أيضا. ففي غضون أقل من سنة بعد مغادرته منصبه جمع بلير ما يقدر بنحو 10 ملايين دولار من المناصب الشكلية والوهمية التي منحتها له الشركات التي استفادت من جرائمه. وما يزال لديه الكثير ليجمعه من المال الملوث بدماء الأبرياء، وذلك تقديرا لمواهبه في الكذب والدجل والنفاق.
ويقول بلير انه يريد أن يجعل من "الإيمان" المهمة التي يمارسها "حتى آخر أيامه".
ولكننا نعد هذا المجرم بشيء واحد هو أن دماء الضحايا هي التي ستظل تلاحقه "حتى آخر أيامه". ومن حسن حظ ذوي الضحايا أن بلير ما يزال لديه من العمر ما يكفي لكي يرى كيف على الباغي ستدور الدوائر.