التوثيق أهم من التحقيق الذى لا ينبغى أن تقلل من أهميته. ذلك ان التوثيق يسجل وقائع الجريمة وأدلتها فى حين أن التحقيق يسلط الضوء على ملابساتها. والتوثيق مهمة الفلسطينيين بالدرجة الأولى. أما التحقيق فهو يحتمل كلاما آخر، تؤيد ذلك تجربة القاضى الجنوب أفريقى ريتشارد جولدستون حين أعد تقريره فى عام 2009 بعد العدوان الإسرائيلى الذى تعرض له القطاع فى بداية ذلك العام. ذلك أن التقرير أدان إسرائيل صراحة، ولكن رئيس الفريق تراجع عن موقفه فى وقت لاحق، أغلب الظن بسبب الضغوط المتوقعة التى تعرض لها. ومع ذلك فانه ظل وثيقة تاريخية قابلة للتوظيف والاستثمار فى أى وقت إذا توفرت الإرادة السياسية المطلوبة.
فى كل الأحوال فالتوثيق مرحلة سابقة على التحقيق. وبالمناسبة فإن مهمة التحقيق يفضل ان تتم من خلال مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، التى سبق لها تشكيل لجنة تقصى الحقائق التى رأسها القاضى جولدستون. إلا أن هناك وفرة من الخبراء والحقوقيين الفلسطينيين الذين يستطيعون ان يتعاملوا مع الإجراءات القانونية المطلوبة لايصال ملف القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية. وفى مقدمة هؤلاء الدكتور أنيس القاسم المحامى الدولى المعروف والخبير الدستورى لميثاق منظمة التحرير، وهو فى الوقت ذاته عضو فى لجنة جرائم الحرب الدولية فى جنيف. وقد شارك أكثر من 20 من أولئك الخبراء فى المؤتمر الدولى الذى عقد فى بيروت عام 2005 حول إسرائيل والقانون الدولى، الذى ركز على كيفية التعامل مع جرائم الحرب التى ترتكبها.
رغم ان الكلام مبكر عن عرض الموضوع على المحكمة الجنائية الدولية إلا أن هذه الخطوة إذا قدر لها أن تتم فينبغى أن يكون ذلك من خلال أى دولة منضمة إلى معاهدة روما التى أنشأت المحكمة الدولية (فى عام 1957). وحتى الآن فان المملكة الأردنية هى الوحيدة فى العالم العربى التى انجزت تلك الخطوة. ويتردد أن السلطة الفلسطينية قدمت طلبا بهذا الخصوص، إلا أن ذلك لم يحسم بعد. وقد اشرت توا إلى ان تحريك القضية فى ذلك الاتجاه يتطلب إرادة سياسية أرجو أن تتوفر فى الوقت المناسب. (للعلم: نشرت صحيفة هاآرتس فى 3/8 ان الحكومة الإسرائيلية شكلت فريقا لكى يستعد لمواجهة التحقيقات التى يمكن أن تجرى فى وقائع الحرب).