الإمام محمد عبده تلميذ ورفيق كفاح لجمال الدين الأفغاني. في هذا المقال، سوف أبين شخصية وفكر الإمام محمد عبده، لما له من تأثير خطير على الفكر الإسلامي في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. لا في مصر وحدها، ولكن في العالم الإسلامي كله.
ولد الإمام محمد عبده في قرية صغيرة من قرى مديرية البحيرة بمصر عام 1849م. كان والده يشتغل بالزراعة، فاضطر إلى التنقل من قرية إلى أخرى، هربا من عسف جباة الضرائب أيام حكم محمد علي.
عندما بلغ محمد عبده الثالثة عشر من العمر، أُرسل إلى جامع الأحمدي بطنطا للدراسة. عندما كان جامع الأحمدي أهم أماكن الدراسات الدينية بعد الأزهر الشريف. إلا أنه فر هاربا عندما وجد أن الدراسة الدينية في جامع الأحمدي دراسة جافة تعتمد على الحفظ بدون تفكير أو مناقشة.
لكنه بفضل خاله الشيخ درويش، الذي كان له تأثير كبير في حياته بجانب الأفغاني، عاد محمد عبده للدراسة الدينية في جامع الأحمدي. ثم التحق بالأزهر عام 1869م.
عندما أقام جمال الدين الأفغاني في مصر عام 1871م، كان محمد عبده، الطالب الأزهري، أكثر تلاميذ الأفغاني التفافا حوله، وأشدهم حرصا على حضور مجالسه وندواته. فقد كان الأفغاني يشجع الإمام محمد عبده على دراسة الفلسفة الإسلامية. وخصوصا فلسفة ابن سينا.
ثم بدأ الإمام محمد عبده في كتابة عدة مقالات في جريدة الأهرام. وكانت حديثة الصدور يملكها أخوين من لبنان في ذلك الوقت.
عندما أنهى محمد عبده دراسته الأزهرية عام 1877م، التحق بوظيفة مدرس في مدرسة دار العلوم. حيث كان يدرس في المدرسة وفي منزله مواد ثقافية مثل: الأخلاق لمسكويه وتاريخ الحضارة لجيزوت ومقدمة ابن خلدون. هذه المواد تعطينا فكرة عن نوع ثقافة الإمام محمد عبده وقتئذ.
في السبعينات من القرن التاسع عشر، كان حكم الخديو إسماعيل يعاني من فداحة الدين الأجنبي. مما اضطر الخديو إلى فرض ضرائب باهظة على عامة الشعب. لم يكن الخديو توفيق، ابن الخديو اسماعيل، يحظى هو أيضا برضاء عامة الشعب. وكانت معارضة حكمه تتمثل في ثلاث حركات:
الأولى هي الحركة الوطنية التي كانت تخشى خطر النفوذ الأوروبي على البلاد. الثانية، هي حركة الطبقة الإرستوقراطية التي كانت تحارب حكم الفرد وتناضل من أجل تقييد سلطات الحاكم بالدستور. الثالثة، هي حركة أحمد عرابي لتحرير الجيش المصري من قبضة العناصر التركية والشركسية.
نظرا لمؤازرة الدولتيين الإستعماريتين، إنجلترا وفرنسا، للخديو توفيق وتهديدهما باحتلال مصر، انصهرت المعارضة داخل البلاد في بوتقة وطنية واحدة. أسلمت قيادتها للجيش بقيادة أحمد عرابي، الذي اعتبرته إنجلترا وفرنسا خطرا على مصالحهما في المنطقة. ثم تبع ذلك، قذف الإسكندرية بالمدافع من البحر، واحتلال إنجلترا لمصر كلها عام 1882م.
لعب الإمام محمد عبده دورا هاما في هذه الأحداث التي مرت بالبلاد. فقد كانت مقالاته اليومية في جريدة الأهرام، تعكس الفكر السياسي للأفغاني، الذي يدعو إلى صحوة العالم الإسلامي في مواجهة خطر الإستعمار الغربي.
لذلك عندما طرد الخديو توفيق جمال الدين الأفغاني من مصر، قام الخديو في نفس الوقت بتحديد إقامة محمد عبده وعزله في قريته بالوجه البحري.
لكن في عام 1880م، طلب رياض باشا، رئيس الوزراء، من محمد عبده العودة إلى القاهرة، لشغل منصب رئيس تحرير الوقائع المصرية.
خلال عامين من الأزمات المتلاحقة، كانت مقالات محمد عبده السياسية والإجتماعية، تلعب دورا هاما في إيقاظ الرأي العام الوطني. وكانت كتاباته، تعارض الحكم العسكري بقيادة أحمد عرابي في بادئ الأمر. لكن عندما بدأ الجيش البريطاني في غزو البلاد، اقترب محمد عبده من قادة الجيش، محاولا تكوين جبهة واحدة لمقاومة الإنجليز.
بعد الإحتلال وهزيمة عرابي، تم القبض على محمد عبده وسجنه وتعذيبه. خرج من السجن محطم النفس هزيل البدن، يائسا حزينا. شأنه شأن باقي أفراد الشعب المصري في ذلك الوقت.
سرعان ما نفي محمد عبده من البلاد لمدة ثلاث سنوات. سافر خلالها إلى بيروت ثم باريس لكي يلحق بجمال الدين الأفغاني. هناك، قام هو والأفغاني بتكوين جمعية سياسية سرية، وأصدرا جريدة العروة الوثقى.